المركز الفلسطيني للبحوث والدراسات الإستراتيجية
The Palestinian Center for Research and Strategic Studies
4 years ago
بعد سنة ونصف تقريباً، وبعد ثلاث جولات من الانتخابات وتشكيل حكومة ذات رأسين في إسرائيل، إلا أن ذلك لم يمنع المجتمع الإسرائيلي من الإنقسام والإصطدام في معظم المجالات وفي معظم القضايا المطروحة، إذ أن الحكومة لم تستطع أن تتخذ قرارات موّحدة، ولم تستطع أن تقدم إجابات مُقنعة للجمهور الإسرائيلي، الذي بدوره خرج إلى الشوارع مطالباً بإستقالة نتنياهو في خطوة خارج صناديق الإقتراع إن لم تكن إحتجاجاً على نتائجه. فإلى أين تتجه إسرائيل وما هي سيناريوهات الإحداث المستقبلية فيها .؟
· أعراض المشكلة في إسرائيل:
أ. الإنقسام على مسألة ضمّ أراضٍ مُحتلة في مناطق 1967، وهو إنقسام ليس بين أزرق أبيض والليكود فقط، حيث يريد الأول أن يكون ذلك بالإتفاق مع الأطراف الإقليمية والدولية، ولكن الخلاف بين الليكود والمتدينين الصهاينة الذين يرفضون حتى فكرة الوعد بقيام دولة فلسطينية، فيما يريد الليكود أن يتجنب فكرة الفصل العنصري والتمييز العرقي والآثار الأمنية والقانونية وحتى الدولية منها.
ب. الإنقسام على نزاهة القضاء والصحافة وحرية المواطن، حيث أن الليكود واليمين عموماً تحت شعارات التخويف وسيطرة اليسار، فهناك توجهات بتقييد حرية القضاء والإعلام والمس بلبرالية الدولة.
ج. الإنقسام السياسي القائم على تناوب الحكم بين أزرق أبيض والليكود، حيث أن الإتفاق المكتوب والمدعوم بتصويت الكنيست لم يهدئ من مخاوف أزرق أبيض من إنقلاب اليهود عليه، هذه المخاوف إنعكست في تعطيل قرارات حكومية أو منعها مثل اللجنة المكلفة بمواجهة ملف جائحة كورونا.
د. تدهور صورة " الزعيم " من حيث إتهام نتنياهو بخيانة العهد والغش والإحتيال، وغموض مصيره في الحكم وسيطرته التامة على الليكود وحتى على اليمين بصورة أو بأخرى، وإحساس الجمهور أن نتنياهو يتحول إلى حاكم ديكتاتور لا يهمه مصلحة المجتمع بقدر إهتمامه بمصلحته ومصلحة عائلته ومستقبله الشخصي.
ه. ومن أعراض المشكلة الأساسية والهامة هي فشل الحكومة الحالية في مواجهة فيروس كورونا والكذب على الجمهور واستغلاله وإستغفاله، وكذلك المسّ بمستوى الدخل الفردي للإسرائيلي العادي، وضرب الطبقة الوسطى والدنيا، ووصول البطالة إلى مستويات عالية وصلت إلى نحو 10% .
و. الإنقسام المجتمعي الثقافي السياسي في إسرائيل الذي يجعل من تشكيل حكومة موحدة ومتجانسة أمر صعب، حيث أن المجتمع الإسرائيلي ورغم إنحيازه نحو اليمين القوي والمتدين إلا أن الثقافات الحزبية والطائفية المتجذرة في إسرائيل تمنع من تشكيل حكومة واحدة قادرة على الحسم في القضايا والتحديات المختلفة، وهذا يفسر إتجاه إسرائيل إلى إنتخابات ثالثة دون حسم، وقد يكون هناك إنتخابات رابعة أيضاً .
ب. نتنياهو متورط في كثير من المسائل دفعة واحدة وهي:
1. فشله في تنفيذ خطة الضم بسبب موقف البيت الأبيض الحذر المتوجس.
2. فشله في مواجهة فيروس كورونا.
3. فشله في التنسيق الجيد مع شريكه في الحكومة.
4. فشله في تنظيم صفوف اليمين.
5. فشله في إستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.
6. فشله في الرد على مواقف الإتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي في مسأرة الضم والعنصرية.
7. فشله في الردود الأمنية ضد حماس وحزب الله وإكتفائه بإجراءات وخطوات محسومة الثمن أصلاً، كضرب قواعد أو قوافل إيرانية أو مواقع سورية يعرف أنها ستكون دون ردود (أو حرب بين الحروب) هذا ما يُطلق عليها.
8. فشله في إسترداد الأسرى الجنود في غزة، وجثامين البعض الآخر.
9. فشله في التخلص من المحكمة والملفات الثلاثة المفتوحة ضده.
10. فشله في توفير الحماية الشاملة والكاملة للجبهة الداخلية ( تعزيز مراقب الدولة الأخير كان بمثابة الفضيحة).
ج. عمل الحكومة الإسرائيلية مشلول إلى حد كبير وذلك بسبب الإنقسامات التي إنعكست في تصويت الكنيست على العديد من القضايا وخصوصاً مسألة ميزانية الدولة التي من الواضح أنها تشكل معياراً للتشقق بين الأطراف جميعاً بما فيها الأطراف الحريدية المتدينة التي رأت في الحفاظ على الإتفاق الإئتلافي بين الحزبين الكبيرين مسألة مهمة جداً، ومن الواضح أن موقف هذه الأطراف ستؤدي إلى إنهيار الحكومة.
ح. يقوم نتنياهو والمؤسسة العسكرية عموماً بتسجيل " إنتصارات " إستخباراتية وأمنية هُنا وهُناك ( ضرب إيران، مواقع إيرانية، مواقع سورية، قصف غزة ..الخ .. الخ) دون أن يُراكم ذلك في رصيد نتنياهو الذي يتحول فعلياً إلى شخص منبوذ إلى حد كبير، ولكن ذلك لا يعني أن اليمين بشكل عام يتراجع، الحديث هنا يدور عن نتنياهو كشخص وليس كحزب أو تيار.
أ. من الواضح أن البيت الأبيض واللوبيات اليهودية والصهيونية في أمريكا تعيد حساباتها تجاه سياسات نتنياهو بشكل شخصي، بمعنى أن هذه الأطراف ترى في صفقة القرن رزمة واحدة وليس كما يريد نتنياهو والمتطرفين من حوله أن يطبقوا ما يريدون ويتركوا ما لا يريدون. إن التطبيق الإسرائيلي للصفقة محرج للأمريكيين، ويبدو أن هناك أسباب أخرى للموقف الأمريكي، منها موقف المجتمع الدولي والحلفاء والموقف الفلسطيني الحازم للرئيس محمود عباس، حيث شكل الموقف الفلسطيني حجر الزاوية في مواجهة الصفقة.
ب. المحكمة الدولية الجنائية ومواقفها الأخيرة جعل من الحكومة الإسرائيلية تتحرك بحذر شديد وتستعد لكل الإحتمالات وتطالب أمريكا بتهديد المحكمة الدولية.
ج. الأقليم العربي لم يكن عاملاً مشجعاً لإسرائيل بإتجاه الضم أصلاً، رغم كل العلاقات الدافئة السرية أو العلنية.
د. تدهور العلاقات مع السلطة الوطنية الفلسطينية وإحتمالات تدهور العلاقات على المستوى الأمني فضلاً عن السياسي وضع إسرائيل في صورة المتهم بخرق كل الإتفاقات.
1. السيناريو الأول:
أن يتفق الطرفان المشكلان للحكومة على تمرير الميزانية حسب الإتفاق الإئتلافي أي لمدة سنتين ( وقد يحصل ذلك نتيجة الضغوط الكبيرة على نتنياهو، كان ذلك بفعل الشارع أو بفعل ضغط الأحزاب (المتدينة) وبالتالي تستمر الحكومة برأسين، قد تكون مشلولة أو ضعيفة ولكنها قد تستمر، وهذا سيناريو قائم وخصوصاً بسبب ظروف نتنياهو الشخصية وكذلك بسبب رغبة غانتس أيضاً الذي لا تعطيه |إستطلاعات الرأي الكثير.
2. السيناريو الثاني:
أن ينهار الإئتلاف الحكومي للإسباب المذكورة آنفاً ويتم الذهاب إلى إنتخابات رابعة، وهو سيناريو قائم أيضاً ويفيد نتنياهو من حيث إيقاف التحريض ضده والتخلص من شريكه العنيد والتملص من المحكمة أيضاً.
3. السيناريو الثالث:
أن تكون هناك حكومة بديلة، بمعنى إستبدال حزب مكان آخر في الحكومة، وهذا قد يكون من أكثر السيناريوهات صعوبة لأنه ليس في أي معسكر من يستطيع إستبدال واحد من الحزبين الكبيرين المشكلين للحكومة إلا ضمن معادلات صعبة وإستثنائية، كأن ينضم مثلا ليبرمان للحكومة الحالية أو لبيد وهذا كما قلنا استثنائي جداً.
4. السيناريو الرابع:
تشكيل حكومة من 61 عضو كنيست إذا توفر هذا العدد بقيادة نتنياهو.
5. السيناريو الخامس:
أن يكون هناك حكومة موسعة تضم الجميع في حالة( الحرب، تعمق جائحة كورونا، زلزال، كارثة ...الخ) وهذا سيناريو قابل للحدوث على ضوء التوتر العسكري والأمني في المنطقة، والذي يزداد فيها التنافس الاقليمي والدولي، أو بدفع من نتنياهو لتصدير أزمته.
1. الصراع في إسرائيل صراع دائم بين الطوائف وبين البرامج السياسية والعقائدية، وهذه المرة أخذ هذا الصراع بالوضوح الشديد إلى درجة عدم القدرة على تشكيل حكومة مستقرة لمدة سنة ونصف.
2. إسرائيل بإعتبارها دولة "ديموقراطية" كما تدعي، وصلت إلى نقطة أو وضع تنقلب فيها على هذه الديموقراطية لأن هذه الديموقراطية لم تعد تتسع لشهواتها الإستعمارية وإنغلاقها وعدم قدرتها على الحوار.
3. الصراع الداخلي وإن كان يشل عمل الحكومة داخلياً، ولكنه ينعكس أيضاً على شكل موجات عنف على الآخرين( الفلسطينيين والسوريين والإيرانيين) أي تعظيم الأخطار وترويج الخوف وإنعدام الأمن.
4. إستمرار الصراع والإنقسام قد يقود إسرائيل إلى مرحلة من عدم اليقين والضباب السياسي وقد يقود إلى ظهور فوضى جديدة لم تكن معروفة من قبل.
5. إسرائيل (الديموقراطية) تتجه نحو الدولة الفاشلة/دولة شرق أوسطية.
المركز الفلسطيني
للبحوث والدراسات الاستراتيجية
فلسطين، رام الله، حي المصايف
البريد الالكتروني - pcrss.org.ps@gmail.com